vc_edit_form_fields_attributes_vc_ القضية لصالح المال – الصليب الأحمر الهلال الأحمر

الأشخاص الذين ظهروا في هذه الصور شاركوا جميعاً في برنامج المنح النقدية الذي تقدمه الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في كينيا، بعد الجفاف في 2014؛ ونيبال بعد زلزال أبريل 2015، وفي ميانمار بعد الفيضان في 2015.

الرسوم الإيضاحية: ميشيل تومسون حقوق التصوير، من اليسار إلى اليمين: بول هيننيغ نيلسون/الصليب الأحمر الدانماركي؛ كارلو هيثكوت/الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر؛ بول هينينغ نيلسون/الصليب الأحمر الدانماركي.

بقلم نيك جونز

نيك جونز صحفي ومحرر مستقل في طوكيو باليابان.

القضية لصالح المال

في العديد من الحالات، قد يكون العمل البسيط بالتبرع بالمال بدلاً من الحاجيات المادية فقط، أكثر فعالية وكفاءة في منح الناس القوة الشرائية التي يحتاجونها لاستعادة نشاطهم الخاص

عندما عاث زلزال بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر خراباً على ساحل الإكوادور في أبريل 2016، انقلب عالم سلفادور مونوز البالغ من العمر 50 عاماً رأساً على عقب. فقد ترك الزلزال عائلته مشردة دون مأوى وعمله المنزلي القائم على الخياطة أنقاضاً.

لكن الكارثة لم يمكنها أن تأخذ منه شيئاً واحداً: روح مونوز الريادية، وهي شيء يقول إنّه اكتسبه عندما كان صبياً صغيراً. ومع منحة نقدية من الصليب الأحمر الأكوادوري، قام ببناء متجر مستخدماً القماش المشمع والعصي، وبدأ يبيع فيه طعاماً على شكل وجبات خارجية في الليل. كما تمكن مونوز من إصلاح واحدة من آلات الخياطة التي تخصه لإصلاح الملابس لمن يعيشون قربه.

وبعد أن عاد إلى العمل، يشعر مونوز بالتفاؤل. ويقول: «لقد انتهت معاناتنا، الآن حان الوقت للوقوف ورؤوسنا مرفوعة عالياً لنسترد ما سرقه الزلزال منا».

وهذا بالتحديد نوع النتائج التي يصفها القائمون على برنامج المنح النقدية بأنها الأثر الناتج عن ضخ المال المخطط بعناية لتمكين الحاصلين عليه من التعامل مع احتياجاتهم بأكثر الطرق كفاءةً واحتراماً.

ومع بدء المجتمع بالتعافي من الصدمة الأولى، بدأ الصليب الأحمر بتوفير الدعم الاقتصادي بهدف إعادة تفعيل الحياة العائلية وتحفيز الاقتصاد المحلي. فحصلت كل عائلة على بطاقة خصم تبلغ قيمتها 200 دولار أمريكي لتغطية احتياجاتها الأساسية الفورية، على حد تعبير سونيا كارديناس، مسؤولة المعيشة في الصليب الأحمر الإكوادوري. وبحلول نهاية شهر سبتمبر، ستكون مبادرة المنح النقدية والتي يتم تنفيذها بالتعاون مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر قد وصلت إلى حوالي 2,000 عائلة في ثمانية مجتمعات.

لكن المال ليس إلا جزءاً من عملية الاستجابة. فبعد لحظات من وقوع الهزة الأولى كانت فرق الصليب الأحمر الإكوادوري في المكان، تعمل على سحب الناس من تحت الأنقاض، وتدعم هيئات الإنقاذ الأخرى، وتسلم الأغذية والماء والبطانيات، وتساعد في تركيب أنظمة المياه والصرف الصحي وتلقي خطباً عن الصحة والتنظيم المجتمعي.

وبين هذه الاستجابات الطارئة المختلطة، ستلعب المنح النقدية دوراً هاماً. تقدم المنح النقدية بأشكال متنوعة، بدءاً من العملة الملموسة وحتى الدفعات الإلكترونية غير المشروطة أو قسائم شراء أغراض معينة، لتصبح الدفعات النقدية أكثر شيوعاً كوسيلة لمساعدة الناس في الأزمات.

ومن الإكوادور إلى ميانمار ونيبال والصومال وفيتنام وحتى كندا، تعد المنح النقدية الآن جزءاً لا يتجزأ من عمليات الإغاثة التي تقدمها الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. منذ عام 2010، تضمنت أكثر من نصف نداءات الطوارئ للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر المنح النقدية كأحد عناصر الاستجابة، وفي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2016، تضمنت نسبة 85% من الاستجابة نوعاً من المنح النقدية.

غير أن المنح النقدية ليست بشيء جديد. فقد وفر متطوعو الصليب الأحمر المال خلال عامي 1870-1871 خلال الحرب الفرنسية البروسية وفي عدة مرات منذ ذلك الحين. وهناك اتفاق عام بين وكالات الإغاثة أن تسونامي المحيط الهندي في 2004 كان نقطة تحول في موضوع المنح النقدية بعد أن بدأت العديد من الهيئات بتنفيذ برامج منح نقدية هناك كبديل عن المساعدات العينية.

أما الجديد في الأمر فكان حجم ونطاق برامج المنح النقدية. ومع أن برامج المنح النقدية لا تمثل إلا 6% فقط من الأموال التي يجري انفاقها على توزيع الدعم حول العالم، فإنه وفقاً لمعهد التنمية في ما وراء البحار، فقد أصبحت هذه الممارسة شائعة، إذ تقدم جميع وكالات الإغاثة الكبرى تقريباً منحاً نقدية بشكل ما خلال استجابتها للطوارئ الكبيرة.

الإعانة بكرامة

لماذا أصبح المال في الواجهة الآن؟ تقول كلير دورهام المسؤولة الأولى في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر عن ابتكارات برامج المنح النقدية: «مع وجود أشخاص أكثر يعيشون في مناطق حضرية، يمكننا الاستجابة أكثر فأكثر للكوارث الحضرية. لذا، يمثل المال عنصراً حيوياً بازدياد لأن الناس لديهم وصول أسهل إلى الأسواق وتحتاج الأنظمة إلى استدامة التحويلات النقدية».

وتضيف أنه حتى في المناطق الريفية، تجعل التكنولوجيا الحديثة من البرامج النقدية أكثر قابلية للتطبيق مع الاستخدام المتزايد لأجهزة الهاتف المحمول في كل شيء، بدءاً من سداد الديون وحتى مراقبة الحسابات البنكية وشراء البضائع من المتاجر المحلية.

ومع استمرار النزاعات لوقت أطول وتداعيات الأزمات الأخرى على المدى البعيد، تتجه وكالات الإغاثة إلى مزيد من الطرق المبتكرة لمساعدة الناس على إعادة بدء حياتهم أو بنائها من جديد في الوقت الذي تقدم فيه المساعدة التي تدعم الأسواق المحلية، بدلاً من التنافس معها، كجزء أساسي من الاستقرار والتعافي على المدى الطويل.

في الوقت نفسه، كان هناك حركة متنامية ضمن عالم الإغاثة للعثور على حلول توفر مزيداً من الخيارات والقوة للمستفيدين، وهو أحد الأسباب لوضعه على أعلى مستويات جلسات النقاش في القمة العالمية الإنسانية في اسطنبول في مايو 2016 والتي كانت نتائجها مؤيدة بقوة لاستخدام أكبر للمال في حالات الطوارئ.

وينصح الخبراء بشكل متزايد باستخدام المنح النقدية مثل تلك المنفذة في الإكوادور والتي يشار إليها على أنها “غير مشروطة”، مما يعني أن الأمر يعود للمستلم لاستخدام المال لشراء ما يحتاجه أكثر من الأسواق المحلية. ومع المنح النقدية غير المشروطة تقوم وكالات الإغاثة غالباً بتقديم توصيات، لكن القرار النهائي يعود للمستلمين.

ونظراً للحاجات المتنوعة التي يواجهها العديد من الناس بعد الأزمات، فقد توصلت وكالات الإغاثة إلى قناعة مفادها أن المنح النقدية مع القليل من القيود أو دونها يمكنها مساعدة الناس على التعامل مع مجال أوسع من الاحتياجات أكثر من المنح المقيدة (أي التي يتم استخدامها فقط لشراء الطعام من موزعين محددين مسبقاً على سبيل المثال)، أو التوزيع بالجملة لأغراض متطابقة.

فالأمر يتعلق بالخيار لكنه يتعلق أكثر بالكرامة. ويقول غيراود ديفيرد، متخصص في المال والأسواق يعمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العاصمة الكينية نيروبي: «عندما تقدم لهم المال فأنت تقدم لهم الخيار، ويمكنهم اتخاذ القرار بشأن ما يحتاجونه أكثر». ويضيف: «لذا تكون رعايتنا لهم أقل أبوية منها عند توزيع البضائع».

نادراً ما تقدم المنح النقدية بمفردها. في السنوات التي عقبت إعصار هايان في 2013، مثلاً، وفر الصليب الأحمر الفيليبيني واللجنة الدولية للصليب الأحمر منحاً نقدية (إلى جانب مواد الإيواء) لمساعدة الناس على استعادة معيشتهم، مثل إنتاج الأرز، والذي يولد الدخل ويقلل من المخاوف بشأن الأمن الغذائي.

الصورة: جيز أزنار/اللجنة الدولية للصليب الأحمر

تغيير الآراء

إن الطريقة التي يٌنظر بها إلى المال في أعمال الإغاثة تتغير أيضاً. فقد كان ينظر إليها في ما مضى بعين الشك بسبب المخاوف من احتمال إساءة استخدامها أكثر من الأغراض العينية، لكن الآن ينظر البعض إلى توزيع النقود على أنه وسيلة أكثر فاعلية وشفافية لتوفير الإغاثة في الحالات التي لا يزال بمقدور الأسواق المحلية توفير السلع الأساسية فيها.

وفي تقرير اصدره عام 2015 عن المنح النقدية، أشار معهد التنمة في ما وراء البحار ومركز التنمية العالمية إلى أكثر من 200 تقييم ودراسة متعمقة وتوصلا إلى أن “الأدلة تشير إلى أنه في العديد من الحالات كان المال طريقة أفضل لمساعدة الناس وتنشيط الأسواق”.

ووفقاً للدارسة: “إن المخاوف الواضحة بشأن المال، تتمثل في إمكانية تسببه بالتضخم في أسعار السلع الأساسية في الأسواق المحلية، وأنه أكثر عرضة لإساءة الاستخدام والفساد أو الانحراف وما إلى ذلك. كما أنه من المحتمل أكثر أن يسيطر عليه الرجال وبالتالي تصبح النساء المحرومات خارج النطاق الذي يوفره الدليل”.

ولم تنكر مجموعة الخبراء التي اجتمعت لوضع التقرير أن إساءة استخدام المنح النقدية غير المشروطة أمر مثير للقلق، لكنها ليست بالضرورة أكثر عرضة للفساد من المساعدات المادية أو العينية. ولدعم وجهة نظرهم، يذكر التقرير أمثلة عن قيام مستلمي الإعانة ببيع البضائع المعطاة لهم من أجل شراء أشياء أخرى يحتاجونها أكثر. ومن ناحية أخرى، يقول التقرير إنّ أنواعاً معينة من المنح النقدية، (مثل المنح النقدية الإلكترونية عبر الهواتف المحمولة) توفر وسائل أفضل لمراقبة وتقييم أنماط الإنفاق من الأغراض العينية التقليدية.

وتوصلت لجنة خبراء معهد التنمية في ما وراء البحار إلى أن: “المتبرعين ووكالات الإغاثة الذين يطورون الاستجابات الإنسانية يجب أن ينظروا للمنح النقدية على أنها أفضل استجابة أولى للأزمات”. وبدلاً من النظر أولاً إلى الأسباب التي تدفع إلى عدم استخدام المال كنوع من المساعدات، يقترح التقرير أنّ: «السؤال الذي ينبغي طرحه أولاً هو: لماذا ليس المال؟».

وبعد قول ذلك، فإن المال ليس مناسباً لجميع الحالات. وضمن إرشاداتها حول التدخل النقدي في الصومال، تورد هورن ريليف (حلول التنمية الإفريقية الآن) بعضاً من الحالات التي لا تعد فيها المنح النقدية مناسبة: مثل عندما يكون الضرر الواقع على السوق المحلي كبيراً وهناك حاجة للسلع الطارئة بسرعة أكبر مما يمكن للأسواق المحلية توفيره؛ وعندما يكون هناك خطر كبير لحدوث التضخم (نتيجة محدودية السلع أو قلة التجار في السوق)؛ أو إن كانت المنح النقدية ستترك المستلمين عرضة للهجوم أو السرقة إلى جانب مخاوف أخرى.

``لقد انتهت معاناتنا، الآن حان الوقت للوقوف ورؤوسنا مرفوعة عالياً لنسترد ما سرقه الزلزال منا``.

سلفادور مونوز، أحد الناجين من زلزال أبريل 2016 في الإكوادور.

لا تراجع أبداً

حتى في الأماكن غير الآمنة بشكل كبير، يمكن للمال أن يوفر بعض الميزات. فالتحويلات النقدية الرقمية، مثلاً، تسمح للمستلمين بالاستمرار في استلام المنح النقدية دون الحاجة للعودة إلى موقع معين، مما يقلل من مخاطر التعرض للخطر عند التجمع لاستلام المعونات. كما يعمل هذا النوع من التوزيع النقدي على الحد من المخاطر والتكاليف المرتبطة باستيراد المساعدات العينية ونقلها وتوزيعها في المناطق غير الآمنة.

ويقول مارتن كيني، متخصص في المال والأسواق يعمل مع بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى الصومال في نيروبي، إنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر توفر ثلاثة أنواع من برامج المنح النقدية في الصومال: «المنح النقدية غير المشروطة لدعم الأشخاص في المراحل الأولى بعد حدث كارثي، والمنح المالية المشروطة لمساعدة الناس في تأسيس أعمالهم أو بدئها من جديد أو توسيعها، والمال مقابل العمل والذي يسعى لإعادة تأهيل البنية التحتية مثل خزانات تجميع مياه المطر وقنوات الري».

يقول كيني: «لهذه المشاريع أثر على المدى الطويل». ويضيف: «فإن قمنا بإعادة تأهيل قناة، فستسمح لمزيد من المزارعين بزراعة المزيد من الطعام، سواء كان لغرض البيع أو الاستهلاك الشخصي، والذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة قدرتهم المعيشية».

وبالرغم من عدم قدرتنا على إرسال العاملين معنا إلى بعض الأماكن في الصومال، لا يزال بإمكان اللجنة الدولية للصليب الأحمر دعم الناس المحتاجين من خلال التحويلات النقدية الإلكترونية التي تستخدم شبكات الهاتف المحمول القائمة في البلاد. ويضيف كيني: «حتى في المناطق المعزولة تماماً، لا يزال بالإمكان العثور على اقتصاد سوق عامل إلى حد ما، مما يشجع على تجربة المنح النقدية».

كما تعد السرعة من الميزات المحتملة الأخرى للمال. فبعد حرائق الغابات المدمرة في مقاطعة البرتا الكندية في وقت سابق من العام 2016، ضمت جمعية الهلال الأحمر الكندي جهودها إلى الجهود التي يبذلها بنك كندا الملكي لتطوير منصة رقمية بسرعة من أجل المنح النقدية. وبعد ما يزيد قليلاً عن أسبوع على الحرائق التي أجبرت كل سكان فورت مكموراي على ترك منازلهم، قام الصليب الأحمر الكندي بتوزيع 50 مليون دولار كندي عبر الهواتف النقالة لآلاف الأشخاص الذين أخلوا منازلهم.

ويقول جيان فيليب تيزي، نائب رئيس فريق الجمعية الوطنية لإدارة الكوارث: «بالنسبة للصليب الأحمر الكندي، فلا مجال للتراجع الآن». ويضيف: «فالمساعدة المستندة إلى التكنولوجيا الرقمية جديدة وفعالة جداً ولا بد منها في أوقات الطوارئ الكبرى».

ومن بين الأسباب التي تدعو إلى النظر إلى المال على أنه وسيلة عملية للغاية هو أن ضحايا الحرائق الذين فقدوا منازلهم أو أعمالهم قد توزعوا على مدن مختلفة. وكانت المنح النقدية أكثر الطرق مرونة لمنح كل فرد المساعدة التي يحتاجها.

غير أن الأمر لا يتعلق باستبدال التبرعات العينية بالمال. ففي الأيام الأولى بعد الكارثة، قام الصليب الأحمر الكندي أيضاً بتوفير مجموعة من الخدمات بدءاً من توزيع البطانيات والأغراض الغذائية وحتى توفير أماكن الإقامة والدعم العاطفي.

كجزء من جهود التعافي بعد إعصار هايان، فريق توزيع المنح النقدية من الصليب الأحمر الفليبيني وأفراد المجتمع المسجلين في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الذين سيحصلون على منح نقدية غير مشروطة.

الصورة: باتريك فولر/اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ماذا يقوله المستلمون؟

«سمح لي المال بافتتاح عمل في معالجة جلود االأبقار. فأنا أشتري جلود الأبقار المذبوحة حديثاً من السوق، وأقوم بتقطيعها وأعيد بيعها. ومن المال الذي أجنيه كربح، أدفع نفقات دراسة أبنائي، وهذا أهم شيء».

هذا التصريح من أحد مستلمي المساعدات النقدية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، يعكس النتائج الإجمالية لدراسة تمت عام 2015، وشارك في نشرها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وكاش ليرنينغ بارتنرشيب بعنوان (أصوات وآراء المستفيدين من المنح النقدية غير المشروطة).

تم سؤال ما مجموعه 111 مشاركاً من جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيبال والفليبين حول ما نجح وما فشل في ما يتعلق بالمنح النقدية التي حصلوا عليها. وقد اتفقوا بشكل عام على أن المال وفر الخيار وعزز من احترام كرامة المستفيدين كما وفر لهم المرونة في تلبية الاحتياجات المتنوعة، بدءاً من الاحتياجات الأساسية مثل الطعام واللوازم المنزلية وحتى تعليم الأطفال أو إصلاحات المنازل.

كما قال غالبية المستفيدين من جمهورية الكونغو الديمقراطية إنّ استلام المال سمح لهم باتخاذ قرارات حول أفضل طريقة لاستعادة معيشتهم. وعلى عكس التدريب المهني أو استلام القسائم مقابل سلع معينة، يمكن المال المستفيدين من التأثير على قدرتهم الاقتصادية الخاصة.

كما سمح المال النقدي أيضاً للمستفيدين من العودة إلى التزاماتهم الاجتماعية، كالديون أو الاستثمارات المشتركة، وهذا جزء مهم من الثقافة في الدول الثلاث التي تمت دراستها. وبين التحديات والاضطرابات العديدة فإن القدرة على المساهمة واتخاذ قرارات مشتركة جعلت المستلمين يشعرون بالتمكين والاحترام.

واعتبر العديد من الرجال والنساء المال كنهاية لإحساسهم بالذل. فقد قال أحد المستفيدين في الفيليبين: « إنّ استلام المال أنهى ذلي. فقبل ذلك لم يكن لدي ثياب ولا مقلاة ولا سرير. وكل ذلك كان مذلاً… المال حررني وأعاد إلي استقلالي».

ومع ذلك، قال البعض أيضاً إنّ المنح النقدية التي تم توزيعها لم تكن كافية لتلبية احتياجاتهم المتعددة بالكامل، مثل دفع نفقات المدارس وسداد الديون أو الدفع مقابل النفقات الكبرى مثل بناء منزل دائم. ووصف أحد المستفيدين الدعم النقدي على أنه “خطوة في الاتجاه الصحيح، بينما قال آخرون إنّ المال ساعدهم على توفير استقرار مؤقت لكنه لم يكن كافياً لضمان التعافي على المدى الطويل.

ووفقاً للتقرير، فإنّ أحد أكبر التحديات التي لا تزال بالانتظار، هو كيفية تحقيق الاستفادة الكبرى من المال، ومنح المستفيدين دوراً أكبر في تحديد المبلغ والوقت ونوع الإغاثة المقدمة. ويقول التقرير: «هناك حاجة لتجديد أعمق للنظام لوضع هيكلية وممارسات معينة في مكانها لجلب المستفيدين بفعالية في حالات الطوارئ الإنسانية للوصول إلى قرارات بشأن التخطيط والنشر والتطبيق المستمر للمساعدات التي يستلمونها».

``يعد السوق أمراً أساسياً لفهم ماهية الاستجابة المناسبة أكثر``.

غيراود ديفريد، المتخصص في المال والأسواق في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نبيروبي بكينيا.

فهم الأسواق

تكمن طريقة التعامل مع كل حالة طارئة في العثور على التوازن الصحيح للمساعدات وفقاً للحاجات وما يجري في الأسواق المحلية. ولهذا من الضروري ألا تفهم المنظمات الإنسانية ما يحتاجه الناس فقط، بل كيف ستؤثر الأشياء التي يقدمونها لهم على الأسواق المحلية.

فقد تمكنت المنظمات الإنسانية منذ زمن بعيد من فهم أن الاستيراد بالجملة للبضائع إلى بلاد تمر بأزمة قد يكون له آثار سلبية. ورغم ذلك، فقد كان الاستخدام المتزايد للسيولة النقدية هو ما تسبب في رفع الوعي ضمن المجال الإنساني بشأن القوى المحركة للأسواق. وتشير كلير هولمان، مسؤولة المنح النقدية لمنع الكوارث والأزمات في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، قسم الاستجابة والتعافي: «المال يساعد بالتأكيد في تحفيز هذا المنظور حول الأسواق» وتؤكد على أنّه: «تطور إيجابي جداً».

``بالنسبة للصليب الأحمر الكندي، فلا مجال للتراجع الآن. فالمساعدة المستندة إلى التكنولوجيا الرقمية جديدة وفعالة جداً ولا بد منها في أوقات الطوارئ الكبرى``.

جان فيليب تيزي من فريق إدارة الكوارث في جمعية الصليب الأحمر الكندي.

أدوات جديدة لتحليل سريع

لكن كيف يحلل موظفو الإغاثة الأسواق في أعقاب الطوارئ، عندما لا يكون هناك وقت كاف للبحث والتحليل المتعمق؟ وللإجابة على هذا السؤال، اجتمعت جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والصليب الأحمر الأمريكي والصليب الأحمر البريطاني لتطوير أدوات لمساعدة العاملين على تقييم الأسواق المحلية بسرعة بعد الصدمة واتخاذ القرار حول ما إذا كانت الاستجابة يجب أن تتم بالمنح النقدية أم بالمساعدات العينية أم بمزيج من الاثنين.

يهدف دليل التقييم السريع للأسواق، وإرشادات تحليل الأسواق الأكثر تفصيلاً اللذان نشرا عام 2014 إلى مساعدة فرق تقييم الطوارئ على دمج تحليل الأسواق في مرحلة إيجاد الحقائق الأولية لضمان أن المعونة، بأي صيغة كانت، ستحفز وتغذي الاقتصاد المحلي، بدلاً من التحفيز على ارتفاع الأسعار أو إعاقة تعافي السوق ونموه. ويقول ديفيرد: «يعد السوق أمراً أساسياً لفهم ماهية الاستجابة المناسبة أكثر».

ويرتكز أساس هذه التقييمات على زيارة الأسواق المحلية والتجول به، والنقاش مع الأفراد ومجموعات التركيز مع التجار والموردين الرئيسيين وتحليل بيانات الحكومة أو مجموعات التجارة في حال توفرها، وإجراء مقابلات مع المستلمين المحتملين للمساعدات.

ووفقاً للإرشادات، يكمن الهدف الأساسي في تحديد الكيفية التي أثرت بها صدمة معينة على وصول الناس للسلع الرئيسية وتحديد كيفية مساعدتهم في الوصول إلى هذه السلع بطرق تدعم الأسواق المحلية والعمل من خلال “المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والقواعد والأعراف التي تحكم هذه الممارسات”.

وللحصول على فهم أساسي لهذه المتغيرات، توفر الإرشادات قائمة أسئلة هي: ما هي السلع الرئيسية التي يحتاجها الناس؟ من أين يمكن شراء هذه السلع وكم يبلغ ثمنها؟ هل هناك منافسة في السوق أم هل يتحكم بعض الموردين بالأسعار بشكل جماعي؟ ما هي حالة سوق العمل؟ كيف يمكن للعائلات تحقيق الاستفادة القصوى من دخلها وكيف أثرت الأزمة على معيشتها؟ ما هي أسعار هذه السلع بدءاً من نقطة الإنتاج إلى التوزيع والبيع بالتجزئة؟

يقول جولز أموتي، رئيس قطاع برامج المنح النقدية في وحدة الأمن الاقتصادي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف: «في البداية، نحاول أن نفهم الطريقة التي يعمل بها السوق المحلي، إضافة إلى الوضع الأمني الذي قد يؤثر على وصول السكان المحليين إلى الأسواق. كما نحاول أيضاً فهم تدفق السلع، والقدرة المالية للناس لشرائها، وآليات التحويل النقدي المتاحة في السوق وجميع العوامل الاجتماعية المتعلقة باستخدام المال في المجتمع».

وبينما يمكن للتقييم السريع أن يوفر البيانات الأساسية الكافية لتوجيه التدخل في فترة تتراوح من أربعة إلى ستة اسابيع، لا بد من تشجيع المراقبة المستمرة نظراً لأن الأسعار والكميات تتغير مع الوقت. ويمكن للمستجيبين عندها تعديل استجابتهم، سواء كانت بالمساعدات العينية أو النقدية، بناء على تطور الحالة.

كانت المنح النقدية جزءاً من المبادرة الاقتصادية الجزئية للجنة الدولية للصليب الأحمر التي ساعدت النساء المحليات على بناء شبكة من النساء العاملات في أعمال الحياكة والنسيج اليدوي في مجتمع اياكاتتشي في بالاي بسريلانكا.

الصورة: توان زهاران/اللجنة الدولية للصليب الأحمر

التحديات المقبلة

في الوضع المثالي، سيكون المستجيبون لأي حدث أو أزمة قد قاموا بجمع بيانات السوق فعلاً كجزء من نشاطات الاستعدادات للكوارث أو كجزء من عمليات إغاثة طويلة الأمد في الأزمات الممتدة. ومن بين أكبر التحديات التي تواجه الحركة الآن، تطوير استطاعة أكبر لتقييم الأسواق والنشر السريع للمنح النقدية كاستجابة محتملة، عندما يعتبر ذلك ملائماً.

فعلى سبيل المثال، لم تتمكن العديد من الجمعيات الوطنية بعد من وضع الأمور في نصابها، مثل الاتفاقيات القانونية مع البنوك وشركات الاتصالات، وتدريب المتطوعين على توزيع المال، وحشد دعم الحكومات والمجتمعات والمتبرعين لتصبح قادرة على الاستجابة السريعة بالمال في حال وقوع كارثة. وفي حالات حيث لا يكون لدى الجمعيات الوطنية نظام مطبق بعد، يساعد الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر هذه الجمعيات في تأسيس أنظمة مع البنوك المعنية وصياغة اتفاقيات مع أطراف ثالثة (البنوك، وشركات الاتصالات، وتجار التجزئة، وغيرهم).

وبينما يمكن تطبيق النواحي الفنية بسرعة نسبية نوعاً ما، فإن قلة الجاهزية يمكنها أن تؤخر الاستجابة النقدية لأسابيع، وفي بعض الحالات، لأشهر، خاصة في الحالات التي لم تطبق فيها الجمعيات الوطنية أو الحكومات البرامج النقدية من قبل. يقول هولمان: «لهذا السبب فإننا نشجع المزيد من الجمعيات الوطنية على الاستعداد لتنفيذ المساعدات النقدية، لكي يتمكنوا من الاستجابة بسرعة عندما تحدث الأزمة».

وبشكل مماثل، فإن القدرة على تقييم الأسواق وتوزيع المال ضمن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعيدة عن كونها عالمية، ولهذا قامت المنظمة منذ 2012 بالبدء في الاستثمار بكثافة أعلى في تدريب الموظفين على تقييم الأسواق واستخدام برامج المنح النقدية.

وعلى نطاق أوسع، ترى وكالات الإغاثة أيضاً وجود حاجة لتطوير الجودة الإجمالية للتقييم، واختيار المستلمين، والقيام بالمراقبة لتخفيض فرص حدوث الفساد وتحويل المال لدعم المجموعات المسلحة، أو الالتفاف على تشريعات مكافحة الإرهاب أو ببساطة إمكانية استخدامها بطريقة لا تساعد الناس في الوقوف على أقدامهم مجدداً. ويجب على وكالات الإغاثة أيضاً التأكد من الحصول على البيانات الشخصية من المستلمين لجعل الدفعات الالكترونية آمنة.

ويقول ديغان علي، المدير التنفيذي لشركة حلول التنمية الإفريقية التي يقع مقرها في نيروبي وأحد الرواد في برامج المنح النقدية، إنّه مع مرور الوقت، يجب أن تقوم الحكومات بمهمة إدارة البيانات، وعليها وضع تشريعات وممارسات لحماية البيانات (انظر الافتتاحية، الصفحة 1). وعندما لا تتمكن الحكومات من القيام بهذا الدور، يجب تكليف هيئة محايدة لتنفيذ ذلك.

ومن المشاكل الأخرى، تخصيص المال “قطاعياً” حيث أن العديد من الوكالات توفر المال فقط لتخصصها المحدد، المال من أجل الغذاء، المال من أجل المعيشة، المال من أجل المأوى. يقول علي، الذي يرغب في رؤية مجموعات الإغاثة الدولية تتعاون على نطاق أوسع على أنظمة قياسية بحيث يسجل المستفيدون مرة واحدة ويحصلون على بطاقة يمكن استخدامها في وكالات متعددة: «مع توفير مجموعات الإغاثة للمزيد من المال، يجب على اللاجئين أو النازحين الذهاب من منظمة إلى أخرى ليجيبوا في كل مرة على الأسئلة نفسها، من أجل الحصول على خدمات أو بضائع محددة من كل وكالة. وبينما يتم هذا في بعض الطوارئ المحلية والدولية طويلة الأمد، فإن آليات التعاون من أجل استجابات دولية أكبر لا تزال بعيدة عن هذا المعيار».

قطيع ماشية في طريقه إلى السوق بالقرب من بيلي الصورة: اللجنة الدولية للصليب الأحمر

الحفاظ على سوق صحي

ترفع سعدية أحمد فأساً صغيراً وتقسم رجل عنزة مذبوحة إلى قسمين. بعدها، وبدقة عالية تقطع اللحم إلى قطع أصغر. سعدية واحدة من السيدات اللواتي يعملن كجزارات في سوق داراويستا في بيليتوين، في الصومال، وتهدف إلى تحقيق دخل مستمر من خلال بيع عنزة واحدة يومياً.

تقول أحمد، التي استقرت في بيليتوين بعد أن هربت من مقديشو وتركت عائلتها خلفها: «سيسمح لي ذلك بدفع فواتير منزلي واصطحاب أبنائي إلى المستشفى عندما يمرضون». وبوجود أطفال لا بد من إطعامهم، فقد استخدمت المال الوحيد الذي حصلت عليه لبدء عمل جديد في مجال اللحوم.

تدار أغلبية الأكشاك في سوق داراويستا عن طريق النساء اللواتي وصلن إلى هنا منذ السادسة صباحاً لبيع خشب التدفئة والفحم والخضراوات أو اللحم. ومع أصوات التقطيع والمفاوضات العالية، فإن القسم الخاص باللحوم هو أكثر الأماكن ضجة في السوق، وهذه إحدى العلامات على ازدهار تجارة المواشي في بيليتوين رابع أكبر مدينة في الصومال. تضم المدينة سوقين للماشية وأربعة مجمعات للمسالخ ويبدأ العمل قبل بزوغ ضوء الشمس.

يتم ذبح الحيوانات على الأرض وتنظف بالماء من نهر شبيلي الذي يعبر المدينة. لا توجد اجراءات للتفتيش على اللحوم التي تُنقَل على عربات تجرها الحمير مباشرة إلى التجار.

ومع بقاء الصحة والنظافة مصدر قلق واضح، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ستدعم هذا العام أكثر من 400 امرأة تعملن في الجزارة وتوفر لهن التدريب على التعامل النظيف مع اللحوم وتقدّم لهنّ المعدات التي تحتوي على مجموعة من السكاكين والقفازات ومئزرين وعربة يدوية. يأتي ما يقرب من 50 من أولئك السيدات، من بينهن سعدية أحمد، من بيليتوين.

يقول ماسيمو زيكشيني، المتخصص بالماشية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الصومال: «لم تحصل غالبية النساء اللواتي يعملن كجزارات على أي تدريب في التعامل مع اللحوم. فتحضير اللحم بطريقة صحية يمكنه التقليل من الإصابات الناتجة عن الأمراض المنقولة عبر الطعام». إضافة إلى ذلك، قام المتخصص بالماشية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتدريب العاملين في مجال الصحة الحيوانية بالمجتمع على مكافحة الأمراض الحيوانية، لكي يتمكنوا من توفير خدمات الرعاية الصحية للحيوانات في أماكن الرعي البعيدة والتي يصعب الوصول إليها. كما أنشأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ثلاث عيادات للطب البيطري مزودة بمسؤولين بيطريين ومجهزة بمختبرات للتحاليل. وهناك ثلاث عيادات أخرى قيد الإنشاء حالياً.

يقول زيكشيني: «تعد الاستشارات البيطرية المستمرة وتوفر الأدوية ذات النوعية الجيدة وسيلتين لضمان أن يتناول المجتمع أو يبيع لحماً صحياً.، كما أن الحيوانات ستنتج المزيد من الحليب. وعلى المدى الطويل سيتم بيع الحيوانات بأسعار أعلى في السوق، مما سيزيد من دخل العائلة».

ذات صلة

هبوط سلس

بالنسبة للمتطوعين مثل سامي راهيكاينين، فإن بناء الثقة مع المهاجرين الذين يأتون إلى مكان جديد بحثًا عن حياة جديدة أمر بالغ الأهمية. هذه قصته.

النهر الذي يُعطي ويسلب

تشكل مخاطر الفيضانات التي تتعرض لها مقاطعة رانغبور في بنغلاديش تحدياً كبيراً يعترض حياة الناس في مجتمعات الصيد المحلية الصغيرة. ولا يزال الناس، حتى بعد الدمار الذي خلّفه موسم الرياح الموسمية في عام 2019، يسعون جاهدين لإعادة بناء سبل عيشهم من نقطة الصفر.

هذا المنشور متوفر أيضًا ب:

اكتشف المزيد من القصص

احصل على قصص تستحق المشاركة وتُرسل إلى صندوق بريدك

ترغب في الاطلاع على آخر المستجدات؟

قد يثير هذا اهتمامك...

“واجبنا تجاه الأطفال”

لم تقلل الحرب الدائرة في اليمن من شغف المعلم عبد الله يحيى بتعليم أبناء الجيل القادم

القِ نظرة