هبوط سلس
بالنسبة للمتطوعين مثل سامي راهيكاينين، فإن بناء الثقة مع المهاجرين الذين يأتون إلى مكان جديد بحثًا عن حياة جديدة أمر بالغ الأهمية. هذه قصته.
vc_edit_form_fields_attributes_vc_
رحلة صوتية إلى الحدود التي تنتهي عندها الإنسانية – الحيّز “الخارج عن القانون” من المياه الدولية الفاصلة بين أوروبا وأفريقيا
حتى على سطح هذا الكوكب المزدحم، هناك أماكن على الأرض يمكن للمرء أن يزعم فيها أن فكرة البشرية تكاد تكون بدورها غير موجودة. وحينما يكون العنصر البشري نادراً للغاية والبيئة شديدة القساوة، فقد تدخل أيضاً إلى فراغ فضائي. وهذا البث الصوتي الذي تنشره مجلة الصليب الأحمر والهلال الأحمر هو عرض لرحلة إلى أحد تلك الأماكن التي تمثل مشهداً بحرياً شاسعاً وفارغاً في قلب البحر الأبيض المتوسط.
سنسافر مع المصورة الفوتوغرافية ومصورة الفيديو أليكسيا ويبستر على متن سفينة “أوسيانيك فيكينغ”، وهي سفينة استأجرتها المجموعة الإنسانية “إس أو إس ميديتيراني” بشراكة مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتضطلع هذه السفينة بمهمة فريدة من نوعها تتمثل في إنقاذ الأشخاص الذين يجدون أنفسهم تائهين في المياه الدولية الفاصلة بين أوروبا وإفريقيا أو عرضة للغرق فيها.
وأُعدّت هذه القصة الإخبارية في صورة مقابلة مع محرر مجلة الصليب الأحمر والهلال الأحمر مالكولم لوكارد، وهي قصة عن الأشخاص الذين ينتهي بهم المطاف في مكان يفقد فيه الآلاف من الأشخاص حياتهم كل عام وهم يحاولون البحث عن الأمان في أوروبا وينشدون حياة أفضل فيها. إنهم أناس من أمثال هايلوم، وهو شاب من إثيوبيا انتهى به المطاف تائها في البحر حيث لم يكن أمامه خيار آخر.
ويقول هايلوم، الذي فرّ إلى السودان بعد اندلاع القتال قريباً من مسقط رأسه: “حاولت أن أتصور ما الذي دفعني إلى محاولة عبور البحر. لا بدّ أن أكون مجنوناً حتى أسعى إلى فعل ذلك”. وقال إنه تعرض، بمجرد وصوله للسودان، للاختطاف وجرى نقله إلى ليبيا، فاعتُقل هناك وأودع السجن. ويقول إن دافع الخوف على حياته جعله يهرب ويمتطى زورقاً مطاطياً برفقة 140 شخصاً آخر. ويتذكر وهو يفكر في ذلك الوقت: “ستكون، في كلتا الحالتين، معرضاً للموت”. ويضيف قائلاً: «لذلك قلنا، على الأقل سنموت ونحن نفعل شيئا اخترناه، فلنمت ونحن نحاول، عوض انتظار شيء لا يمكن الحصول عليه”.
وهذه أيضاً قصة عن الأشخاص الذين يشعرون بأنهم مضطرون إلى حمل شيء من الإنسانية إلى هذه المياه، لأنهم ببساطة لا يستطيعون تخيل ترك الناس بمفردهم ليموتوا في هذه القفار الشاسعة والخاوية من الحياة. وتسأل لويزا، التي تعمل منسقة إنقاذ في منظمة “إس أو إس ميديتيراني” على متن سفينة “أوسيانيك فيكينغ”: “هل يمكنك أن تتصور نفسك عائماً ليلاً ونهاراً دون التمكن من رؤية أي منظر لليابسة أو أي شيء آخر؟”. وتضيف قائلة: “قد يمكنك رؤية سفينة كبيرة تمر بالقرب منك، وقد تحاول التلويح لها بيدك، ولكن لا أحد يمدّ لك يد المساعدة”.
ويضيف دراغوس، وهو صحفي سابق أصبح الآن جزءاً من فريق البحث والإنقاذ التابع لمنظمة “إس أو إس ميديتيراني”: “إنه مجرد عالم آخر مجاله البحر”. ويردف قائلاً: “لا يمكنك رؤية أي شخص هناك، ولذلك فهو أشبه ما يكون بحيّز يغيب فيه القانون. وقد يحدث فيه أي شيء. ولا وجود فيه للشرطة التي تشاهدها في المدن أو حتى في الأرياف. ولا تقابل فيه أي شخص من الأشخاص”.
“”هل يمكنك أن تتصور نفسك عائماً ليلاً ونهاراً
دون التمكن من رؤية أي منظر لليابسة أو أي شيء آخر
قد يمكنك رؤية سفينة كبيرة تمر بالقرب منك،
وقد تحاول التلويح لها بيدك، ولكن
لا أحد يمدّ لك يد المساعدة”.لويزا, منسقة إنقاذ
منظمة “إس أو إس ميديتيراني”
على متن سفينة “أوسيانيك فيكينغ”
ويُشير طاقم سفينة “أوسيانيك فيكينغ” إلى سفينتهم أحياناً على أنها “سيارة إسعاف عائمة” يقدم فيها أطباء من أمثال ماري مونوز برتراند من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر خدمات طبية بالغة الأهمية للأشخاص الذين تعرضت أبدانهم وعقولهم لمشاق وأوجه حرمان وصدمات هائلة.
وتقول ماري: “ستحدث، حتى في أحسن الظروف، تغيّرات في اللغة ودرجة الحرارة والأغذية”. وتضيف قائلة “وفي أسوأ الظروف، ستواجهك ظروف معيشية صعبة للغاية وستتعرض لخسائر فادحة وصدمات وإصابات بالغة”.
وبمساعدة مقاطع صوتية من المقابلات التي أُجريت معها، تعرفنا أليكسيا على ملتمسي اللجوء مثل هايلوم ومن تلك التي أجريت مع طاقم سفينة “أوسيانيك فيكينغ”، أشخاص مثل عبدال، ميسر ما بعد مرحلة الإنقاذ لدى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الذي أمضى معظم حياته في السنوات الأخيرة وهو يسعى إلى الحيلولة دون فقدان المزيد من الأرواح.
ويقول عبدال: “الجملة الوحيدة التي يودّون سماعها هي” أنتم في أمان “، في إشارة إلى الأشخاص الغرقى الذين انتشلتهم سفينة “أوسيانيك فيكينغ”. وتعني عبارة “أنتم في أمان” أنكم لن تعودوا إلى ليبيا. وهذه اللحظة مهمة لهم. ولذلك، فأنا أختار كلماتي جيداً. وأقول لهم هذا باحترام وبشكل يحفظ كرامتهم وهم يصدقون كلامي”.
ويتمثل جزء من المهمة التي يضطلع بها عبدال أيضاً في إعداد المهاجرين الذين تسنى إنقاذهم لما يمكن توقعه حينما يبدأون حياتهم الجديدة على الأراضي الأوروبية التي سيتعرضون فيها لسلسلة جديدة من التحديات. ويقول هايلوم إنه يدرك أن الحياة في أوروبا لن تكون يسيرة، لكنه ممتن لكونه في أمان وأنه لا يزال يمتلك الفرصة الكفيلة بتحقيق طموحه الأساسي.
ويقول هايلوم: “في السابق، كان حلمي دائماً أن أحيا حياة آمنة”. ويضيف قائلاً: “وبعد ذلك، بدأت أحلم فقط بالبقاء على قيد الحياة. والآن مجدداً، أرغب فقط في أن أحقق شيئاً واحداً، وهو أن أنعم بحياة آمنة. وأنا لا أطلب الكثير”.
هل يتعرض الأشخاص ذوي الإعاقة للإغفال خلال جائحة كوفيد-19؟