هبوط سلس
بالنسبة للمتطوعين مثل سامي راهيكاينين، فإن بناء الثقة مع المهاجرين الذين يأتون إلى مكان جديد بحثًا عن حياة جديدة أمر بالغ الأهمية. هذه قصته.
ديجان علي، المدير التنفيذي لمنظمة حلول التنمية الإفريقية بنيروبي، كينيا.
الصورة: حلول التنمية الإفريقية
في عام 2003، توصلت منظمة إنسانية صغيرة، كانت تُعرف حينها بإغاثة القرن الإفريقي، إلى أن تقديم بعض المال لمن يعانون من الجفاف الشديد بشمال الصومال سيكون الطريقة المثلى لإنعاش الأسواق ودفع الأشخاص إلى العمل وتوفير المعيشة لهم. لم يكن العمال الميدانيون بالمنظمة، وأنا من بينهم، يحاولون اقتراح إصلاحات كبرى من خلال إيصال المعونة؛ اعتقدنا ببساطة أن تقديم المال هو الحل الأكثر عملية بناءً على القوى المحركة للسوق المحلية.
لقد انهار اقتصاد المنطقة نظراً لعدم تمكن الرعاة، الذين يقترضون بالفصول الجافة لشراء المستلزمات الأساسية ويسددون أثناء موسم الأمطار، من سداد ديونهم. ومع تناقص السيولة، أغلق أصحاب المتاجر أبوابهم.
رأى الزوار المتبرعون ومنظمات الإغاثة المدن بأحوال متردية مع وجود المتاجر المغلقة وتساءلوا: «كيف يمكننا توفير المال هنا؟ فلا وجود للأسواق». البعض ضحك علينا علناً، بينما تحفظ آخرون من توظيف الأموال في بلد غارقة في الصراعات، ليس بها حكومة مركزية عاملة والكثير من المناطق تقع تحت سيطرة الميليشيات المسلحة.
ونظراً لأننا كنا نعمل بشكل وثيق مع المجتمع المحلي، رأينا أن ضخ الأموال سينعش سلسلة إمدادات السوق، وبهذا، وعلى الرغم من التحديات، كانت الصومال مناسبة تماماً على نحو مفاجئ للبرامج النقدية واسعة النطاق. ونحن نعلم أنه لا يزال لدى أصحاب المتاجر بضاعة وإن كانت أبوابهم مغلقة بشكل مؤقت، وأن البلد لديها بالفعل نظام تحويل أموال متطور جداً تسيره شركات تحويل الأموال.
وأخيراً، قدمت “أوكسفام نوفيب” بهولندا التمويل لمنح مبلغ 690,000 دولار أمريكي إلى 13,800 أسرة. وبعد إتمام المشروع، وجدت دراسة استقصائية لما بعد التوزيع أجرتها الأمم المتحدة أن المِنح النقدية كانت شديدة الفعالية في منح الأشخاص الأكثر ضعفاً إمكانية الحصول على الغذاء وأغراض أساسية أخرى متوفرة بالسوق. وقد أدّى هذا النجاح الملموس إلى زيادة تقبل التحويلات النقدية في الصومال.
واليوم، تعد التحويلات النقدية وسيلة رائجة لتقديم المعونة، تستخدم تقريباً في جميع الاستجابات لحالات الطوارئ. فعندما تُنفذ بشكل جيد، يمكن للأموال تعزيز الاقتصادات المحلية والمساعدة على حفظ كرامة متلقي المعونة. إلا أنه خلال كل هذا الاندفاع للتوسع في التدخلات النقدية، لا يسعني سوى الشعور بأنه ينبغي علينا تحدي أنفسنا أكثر لوضع الأشخاص المتضررين في محور استجابتنا وتمكين المؤسسات المحلية التي تساعد الأشخاص على أن يكونوا مرنين بالفعل على المدى الطويل.
ومع مرور الوقت، أعتقد بأنه يجب دمج التحويلات النقدية بمشروعات الحماية الاجتماعية الضخمة، التي تديرها الحكومات أينما كان ذلك ممكناً. وتثير المجموعات المتنوعة للمشروعات النقدية المخصصة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم، التساؤلات حول حماية البيانات والمخاطر التي تضعف تطوير نظم الحماية الاجتماعية، الوطنية، أو المحلية القوية. وأينما تسنى ذلك، ينبغي أن يتم جمع البيانات من قبل سلطات محلية وإدارتها مركزياً من قبل الحكومات، الأمر الذي بدوره سيعتمد قوانين وسياسات حماية البيانات. ويمكن لهذه النظم حينها أن تتطور لتكون مستجيبة للصدمات، وذلك من خلال التوسع السريع في حالة حدوث الأزمات أو التقلص حسب الحاجة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تبسيط نظام تسجيل المتلقين المجزأ، المسبب للتكرارات والمُهين. وفي بعض البلدان، تعاونت بعض المنظمات لتسجيل المتلقين مرة واحدة وتزويدهم ببطاقة مقبولة لدى العديد من الوكالات. غير أن ذلك بعيد كل البعد عن أن يكون شاملاً خلال الأزمات الدولية. فإن كان كذلك، لتمكنت مجموعات الإغاثة من إطلاق أطقم العمل للانخراط بتفاعلات على أعلى مستوى لتعالج التحديات النظامية الأكثر عمقاً.
وتحفز التحويلات النقدية بطرق عديدة هذه المناقشات ومناقشات هامة أخرى حول الطريقة التي يتفاعل بها عمال المساعدات الإنسانية مع الجمهور الذي يأملون بمساعدته. على سبيل المثال، أدركنا منذ سنوات أن الاستيراد واسع النطاق للسلع يمكن أن يُحدث أثراً كبيراً وضاراً في بعض الأحيان على الأسواق المحلية. لكن لم يكن هناك دافع كبير للتغيير نظراً لدعم المعونات الغذائية في البلدان المانحة. وتضطرّنا التحويلات المالية، اليوم، إلى طرح التساؤلات حول تداعيات السوق قبل أن نتدخل. وبالمثل، تواصل دفعنا جميعاً إلى تحسين أدوات التقييم والرصد المستخدمة لنقرر من الذي نقدم له المساعدة، مما يضمن أننا بحق ندعم من هم الأكثر ضعفاً.
وفي نهاية المطاف، يمكن لثورة التحويلات النقدية أن تساعد أيضاً المنظمات المحلية من خلال تعزيز دور المعرفة بالأسواق المحلية بمساعدة المجتمعات المحلية على تدعيم قدرتها على الصمود. إلا أن الأموال وحدها لن تغير القوى المحركة للسلطة التي تلاحق نظم المعونة وتحول دون الابتكار المحلي. ولإحداث تغيير حقيقي، ينبغي علينا أن ننظر للبرامج النقدية على أنها فرصة لتحدي افتراضاتنا، وتسهيل الدعم الذاتي لمن نسعى لمساعدتهم وتحفيز الابتكار الحقيقي عوضاً عن استبدال الوسائل القديمة فحسب، من الأرز، والأقمشة المشمّعة، وأدوات المطبخ، وغيرها، بأوراق مالية ملونة، أو بطاقات ائتمانية بلاستيكية أو ماكينات صراف آلي.
هل تتذوق طعم الحلول الابتكارية التي تساعد الناس على تخطي الأزمات، أو توفر لهم الطمأنينة بعد هبوب إحدى العواصف، أو تقدم حبل النجاة للأشخاص الذين قد يتعرضون للتهميش لولا وجودها؟ إذا كان الأمر كذلك، فسوف تستطيب هذه الوصفات الأربع التي تكرس القدرة على الصمود وسوف تعجب بالقصص التي تغطيها: